الهيدروجين الأخضر: الوقود المستقبلي للطاقة المتجددة
الهيدروجين الأخضر يُعتبر أحد أكثر الحلول الواعدة لتحقيق تحول جذري في نظام الطاقة العالمي، خاصة في ظل الجهود المتزايدة للحد من انبعاثات الكربون وتبني أنظمة طاقة مستدامة. يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام التحليل الكهربائي للماء، حيث يتم فصل الماء (H2O) إلى مكوناته الأساسية (الهيدروجين والأكسجين) باستخدام الكهرباء الناتجة من مصادر طاقة متجددة مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. هذا يجعله وقودًا نظيفًا وخاليًا من الكربون، مما يميزه عن الهيدروجين المنتج باستخدام الوقود الأحفوري.
إنتاج الهيدروجين الأخضر: التقنية وآليات العمل
تتم عملية إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال التحليل الكهربائي باستخدام أجهزة تُعرف بالإلكترولايزر Electrolyzers ، توجد ثلاث تقنيات رئيسية لهذه الأجهزة:
- تحليل الماء القلوي (Alkaline Electrolysis)
يُعتبر الأكثر شيوعًا والأقل تكلفة.
يعتمد على استخدام محلول قلوي كالكهربوليت.
مناسب للتطبيقات الصناعية الكبيرة، لكنه يتطلب وقتًا أطول لبدء التشغيل.
- تحليل الماء باستخدام الأغشية البوليمرية (PEM Electrolysis)
يتميز بكفاءة عالية وقدرة على الاستجابة السريعة للتغيرات في مدخلات الطاقة.
يُعد خيارًا مناسبًا لمصادر الطاقة المتقطعة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
تكلفته أعلى نسبيًا.
- تحليل الماء بالأكسيد الصلب (SOE Electrolysis)
يستخدم درجات حرارة عالية تزيد عن 800 درجة مئوية.
يتمتع بكفاءة عالية، لكنه يحتاج إلى تطوير تقنيات أكثر لتحمل التكاليف التشغيلية.
أحدث التطورات في مجال الهيدروجين الأخضر
في السنوات الأخيرة، حققت صناعة الهيدروجين الأخضر تقدمًا كبيرًا، مدعومة بجهود الحكومات والشركات لتوسيع استخداماته. وفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، قُدّرت القدرة الإنتاجية العالمية للهيدروجين الأخضر بنحو 0.3 جيجاوات فقط في عام 2020، ولكن التوقعات تشير إلى نموها إلى أكثر من 54 جيجاوات بحلول عام 2030.
مشروعات ضخمة
- في عام 2021، أعلنت المملكة العربية السعودية عن مشروع “نيوم للهيدروجين الأخضر”، وهو أكبر مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم، بقدرة إنتاج تصل إلى 650 طنًا يوميًا بحلول عام 2026.
- خصص الاتحاد الأوروبي أكثر من 430 مليار يورو لتعزيز إنتاج الهيدروجين الأخضر ضمن خطته لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
خفض التكاليف
انخفضت تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر بنسبة تتراوح بين 40-50% منذ عام 2015، مدفوعة بالتطورات التقنية وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. ومع توسع المشاريع الكبرى وانخفاض تكلفة الإلكترولايزر، يتوقع الخبراء أن تصبح تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر تنافسية مع الهيدروجين الرمادي بحلول عام 2030. على سبيل المثال، تُشير تقارير بلومبيرغ إلى أن تكلفة إنتاج كيلوغرام واحد من الهيدروجين الأخضر قد تنخفض إلى أقل من دولارين خلال العقد المقبل، مقارنة بمتوسط التكلفة الحالي الذي يتراوح بين 4-6 دولارات.
ابتكارات تقنية
ظهرت مواد جديدة في تصنيع الإلكترولايزر، مثل استخدام أغشية البوليمر المحسنة والأقطاب النانوية، مما ساهم في رفع كفاءة الإنتاج بنسبة تزيد عن 20%. علاوة على ذلك، يُعد تحسين المتانة وتقليل التآكل أحد الأولويات التقنية التي ساعدت في خفض التكاليف التشغيلية.
من جانب آخر، بدأ الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل بيانات الإنتاج في الوقت الحقيقي، مما ساعد في تحسين عمليات الإنتاج وتقليل الفاقد. كما تُستخدم أنظمة المحاكاة الرقمية لاختبار مختلف السيناريوهات التشغيلية فانخفضت تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر بنسبة تتراوح بين 40-50% منذ عام 2015، مدفوعة بالتطورات التقنية وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
تطبيقات الهيدروجين الأخضر
الهيدروجين الأخضر ليس فقط مصدرًا للطاقة، بل إنه يلعب دورًا حيويًا في مختلف القطاعات:
قطاع النقل: يُستخدم في تشغيل المركبات العاملة بخلايا الوقود، مثل السيارات والحافلات والشاحنات.
شركة “تويوتا” اليابانية أطلقت سيارة “ميراي” التي تعمل بالكامل باستخدام خلايا وقود الهيدروجين.
الصناعة: يُستخدم في إنتاج الصلب الأخضر، حيث يُستبدل الفحم بالهيدروجين لتقليل الانبعاثات.
وفقًا لتقرير شركة McKinsey، يمكن أن يُخفض الهيدروجين الأخضر انبعاثات قطاع الصلب بنسبة تصل إلى 90%
تخزين الطاقة: يعمل كوسيط لتخزين فائض الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة وتحويله إلى طاقة قابلة للاستخدام عند الحاجة.
الطاقة الحرارية: يُستخدم لتوليد الحرارة في الصناعات الثقيلة مثل إنتاج الأسمنت والكيماويات.
الإحصائيات العالمية ودعم السياسات
تشير تقارير وكالة الطاقة المتجددة الدولية (IRENA) إلى أن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يسهم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بنسبة 20% بحلول عام 2050.
تبنت أكثر من 30 دولة خططًا وطنية لإنتاج الهيدروجين، تشمل استثمارات تُقدر بحوالي 500 مليار دولار حتى عام 2030.
في عام 2022، بلغ إجمالي إنتاج الهيدروجين العالمي حوالي 90 مليون طن، لكن أقل من 1% منه كان من مصادر متجددة.
التحديات المستقبلية
رغم الآفاق الواعدة، يواجه الهيدروجين الأخضر عدة تحديات:
التكلفة العالية: لا يزال إنتاج الهيدروجين الأخضر أكثر تكلفة من الهيدروجين الرمادي أو الأزرق.
البنية التحتية: الحاجة إلى بناء شبكات توزيع وتخزين ملائمة.
مصادر المياه: استهلاك كميات كبيرة من المياه قد يكون تحديًا في المناطق الجافة.
الخاتمة
يمثل الهيدروجين الأخضر أفقًا جديدًا للطاقة المتجددة، حيث يجمع بين الوفرة والنظافة والمرونة في الاستخدام. مع استمرار الابتكارات التقنية وزيادة الاستثمارات العالمية، يبدو أن الهيدروجين الأخضر سيكون أحد الركائز الأساسية لتحقيق مستقبل مستدام خالٍ من الكربون. ومع ذلك، فإن التغلب على التحديات الحالية يتطلب جهودًا تعاونية بين الحكومات والشركات والمجتمع العلمي لضمان تحقيق أقصى استفادة من إمكاناته الواعدة.