اخر الأبحاث

لماذا لا تزال توقعات وكالة الطاقة الدولية تقلل من شأن الطاقة الشمسية؟

منذ أكثر من ثلاثة عقود، تُعتبر توقعات الطاقة العالمية (WEO) الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية (IEA) المرجع الأهم في رسم مشهد الطاقة العالمي، وتقديم تصورات مستقبلية حول العرض والطلب على مصادر الطاقة المختلفة. لكن، رغم ما تتمتع به من مكانة، تكشف الدراسات الحديثة أن هذه التوقعات – حتى في أكثر سيناريوهاتها تقدمًا – قللت بشكل كبير من وتيرة نمو تقنيات الطاقة المتجددة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية الكهروضوئية.

رؤية متحفظة لا تواكب الواقع

دراسة جديدة من جامعة LUT الفنلندية، نُشرت في مجلة Renewable and Sustainable Energy Reviews  العلمية، قامت بتحليل جميع تقارير WEO بين عامي 1993 و2022. وقد خلصت الدراسة، التي جاءت بعنوان:

“Paving the way towards a sustainable future or lagging behind? An ex-post analysis of the International Energy Agency’s World Energy Outlook”

إلى أن السيناريوهات الواردة في هذه التقارير قد أخفقت مرارًا في التنبؤ بالنمو الهائل للطاقة الشمسية.

أرقام تُثبت الفجوة

تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تصل السعة الإجمالية للطاقة الشمسية إلى 15.5 تيراواط بحلول 2050، ما يُعادل توليد 27,000 تيراواط ساعة. لكن هذه الأرقام، رغم ضخامتها، لا تمثل سوى 18%  من الطلب العالمي على الطاقة الأولية.

في المقابل، تُشير أبحاث جامعة LUT إلى أن العالم قد يصل إلى 63.4  تيراواط من الطاقة الشمسية المركبة بحلول التاريخ نفسه، مع قدرة على توليد 69%  من احتياجات الطاقة الأولية.

 التثبيت السنوي للطاقة الشمسية: الواقع يتجاوز التوقعات

في أحدث سيناريوهات  WEO (2022 NZE)، يُقدّر أعلى معدل لتركيب الطاقة الشمسية بـ657 غيغاواط/سنة بحلول عام 2040.

لكن هذا الرقم بالكاد يتجاوز ما تم تركيبه فعليًا في عام 2024 (593 غيغاواط)، مع توقعات ببلوغ 1 تيراواط/سنة بين 2025 و2030، وحتى 3  تيراواط/سنة في ثلاثينيات هذا القرن —  أي ما يتجاوز بكثير توقعات  IEA

 التحول نحو الطاقة الكهربائية  (Electrification)

تعتمد نماذج الطاقة المتجددة المستقبلية على مفهوم الكهربة الشاملة للقطاعات، مثل التدفئة، والنقل، والصناعة. ويُعدّ استخدام المركبات الكهربائية، والمضخات الحرارية، والتخزين الذكي للطاقة، عوامل أساسية في هذا الانتقال.
لكن، رغم إدراجها جزئيًا في سيناريو 2022 NZE، تغيب حلول الوقود الكهربائي (Power-to-X) كالهيدروجين الأخضر والأمونيا والميثانول عن السيناريوهات بشكل كافٍ، مما يُحد من دور الطاقة الشمسية في إزالة الكربون.

 الحاجة إلى تخزين مرن

رغم أن سيناريو NZE يتوقع وجود 3.9 تيراواط من سعة التخزين بالبطاريات بحلول 2050، فإن أبحاث جامعة LUT تشير إلى إمكانية تجاوز 13.5 تيراواط في هذا المجال، خصوصًا عند تضمين البطاريات المنزلية ومساهمة المركبات الكهربائية في دعم الشبكة.

 دروس من الجنوب العالمي

تشهد دول نامية مثل باكستان تحولًا سريعًا من خلال ما يُعرف بـ”الاندفاع الشمسي ” (Solar Blitz)، حيث يتم تسريع تركيب الأنظمة الشمسية. كما تتبنى إثيوبيا مركبات كهربائية تعمل بالبطاريات بوتيرة متسارعة، مما يعزز فكرة أن التغيير الشامل ممكن إذا ما توفرت الإرادة السياسية والوعي المجتمعي.

الخلاصة 

رغم التطورات التقنية والانخفاض الكبير في تكاليف الطاقة الشمسية، لا تزال وكالة الطاقة الدولية تُقدّم تصورات متحفظة وغير متوافقة مع الواقع الحالي والمحتمل. ويطرح الباحثون سؤالًا جوهريًا:

لماذا لا تُقدّم وكالة الطاقة الدولية سيناريو متكامل يُلهم صنّاع القرار لتحقيق مستقبل قائم على الطاقة المتجددة بنسبة 100% بحلول عام 2050؟

📚 المصدر: هذا المقال مبني على تقرير علمي نُشر ضمن عمود شهري لجامعة LUT الفنلندية يمكنكم الاطلاع عليه من هنا

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري