هل تحلّق الطائرات الشمسية بنا نحو مستقبل الطيران المستدام؟

في عالم يشهد تطورًا مستمرًا في تقنيات الطاقة المتجددة، تبرز مشاريع الطائرات الشمسية كخطوة رائدة نحو مستقبل مستدام في مجال الطيران. هذه المشاريع لا تقتصر على الابتكار التكنولوجي فحسب، بل تسهم أيضًا في تعزيز كفاءة الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
الطائرات الشمسية: رؤية نحو السماء
تُعد الطائرات الشمسية نماذجًا مبتكرة تعتمد على الطاقة الشمسية كمصدر رئيسي للطاقة، مما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري ويحد من الانبعاثات الضارة. من أبرز هذه المشاريع:
مشروع “SolarStratos” نحو حافة الفضاء
أطلقت شركة “SolarStratos” مشروعًا يهدف إلى تطوير طائرة شمسية قادرة على التحليق على ارتفاعات عالية تصل إلى 25 كيلومترًا، أي ما يعادل 25,000 متر. تم تجهيز الطائرة بـ22 مترًا مربعًا من الألواح الشمسية التي تولد طاقة تكفي لتحليق مستمر لمدة 24 ساعة. في عام 2017، نجحت الطائرة في أول اختبار تحليق على ارتفاع 300 متر في سماء سويسرا، مما أثبت جدوى التصميم وكفاءة الطاقة الشمسية في التطبيقات الجوية.
“Solar Impulse” رحلة حول العالم بالطاقة الشمسية
في خطوة تاريخية، أكملت طائرة “سولار إمبولس 2” رحلة حول العالم باستخدام الطاقة الشمسية فقط. امتدت الرحلة على مدار عامين (2015-2016)، حيث قطعت مسافة تزيد عن 40,000 كيلومتر، مما أثبت إمكانية استخدام الطاقة الشمسية في الرحلات الجوية الطويلة.
رغم الإنجازات المحققة، تواجه الطائرات الشمسية تحديات تقنية، أبرزها:
- تخزين الطاقة: تطوير بطاريات خفيفة الوزن وعالية السعة لتخزين الطاقة الشمسية ليلًا أو في الظروف الجوية الغائمة.
- إدارة الطاقة: تصميم أنظمة ذكية لضمان توزيع الطاقة بكفاءة بين الألواح الشمسية والمحركات والأنظمة الأخرى.
- المواد والتصميم: استخدام مواد خفيفة الوزن مثل ألياف الكربون لتقليل الوزن الكلي للطائرة دون التأثير على المتانة.

المعايير والاعتمادات الدولية: ضمان الجودة والسلامة في الطائرات الشمسية
في ظل التقدم المتسارع في تقنيات الطيران الشمسي، تلعب المعايير الدولية دورًا محوريًا في ضمان السلامة والكفاءة، وتهيئة البنية التحتية التنظيمية لتبني هذا النوع من التكنولوجيا في الأسواق المستقبلية. وهنا تبرز جهود اللجنة الكهروتقنية الدولية (IEC) التي تعمل من خلال لجان فنية متخصصة على تطوير معايير دقيقة وموثوقة.
تُعد اللجنة الفنية IEC TC 82 مسؤولة عن وضع المعايير الخاصة بأنظمة الطاقة الكهروضوئية الشمسية (PV)، والتي تُستخدم حتى الآن بشكل أساسي في التطبيقات الأرضية مثل محطات الطاقة الشمسية الكبرى أو الألواح المثبتة على الأسطح. وتوسّعت هذه اللجنة مؤخرًا لتشمل تطوير معايير جديدة خاصة بالأنظمة العائمة، مثل الألواح الشمسية المثبتة على المسطحات المائية، مما يشير إلى التوجه نحو التوسع في استخدام الطاقة الشمسية في بيئات مختلفة.
أما فيما يتعلق بالطائرات الشمسية والطائرات بدون طيار، فبينما لا تزال هناك حاجة لوضع معايير خاصة بها، فإن الكثير من الأسس التقنية يمكن استلهامها من الإطار الحالي الواسع الذي طورته الـIEC، ما يسرّع عملية تطوير الإطار التنظيمي الخاص بها.
من جهة أخرى، تتولى اللجنتان الفنيتان IEC TC 107 وIEC TC 97 مهامًا أكثر ارتباطًا بصناعة الطيران بشكل مباشر. فالأولى تُعنى بإدارة العمليات الخاصة بالإلكترونيات الجوية (Avionics)، ما يعني أن أي مكون إلكتروني يُستخدم داخل الطائرة يجب أن يفي بمعايير صارمة لمنع استخدام مكونات مقلدة أو مُعاد تدويرها، قد تهدد السلامة والكفاءة. على سبيل المثال، تُعد المواصفة IEC 62668-1 من المعايير الأساسية في هذا السياق.
أما اللجنة IEC TC 97 فتركز على التركيبات الكهربائية الخاصة بإنارة المدارج وإشارات الملاحة في المطارات، وهي جزء لا يتجزأ من بيئة التشغيل للطائرات، بما في ذلك تلك التي تعمل بالطاقة الشمسية.
ولتأكيد الالتزام بهذه المعايير، توفر منظومة IECQ لتقييم الجودة تقييمًا محايدًا من طرف ثالث وشهادات امتثال للمواصفات الفنية مثل IEC 62239-1 وIEC 62239-2، والتي تتعلق بإدارة مكونات المعدات الإلكترونية المستخدمة في الطيران.
رغم أن الطائرات الشمسية لا تزال بعيدة عن التبني التجاري الواسع، فإن وجود بنية تنظيمية ومعيارية قوية على المستوى الدولي، كما توفره الـIEC، يمهد الطريق لانتقال هذه الابتكارات من المختبرات إلى السوق، مع ضمان الالتزام الكامل بمتطلبات السلامة والأداء.
الآفاق المستقبلية
مع استمرار الأبحاث والتطورات التقنية، من المتوقع أن تلعب الطائرات الشمسية دورًا مهمًا في مجالات متعددة، مثل:
- البحث العلمي: إجراء دراسات في الطبقات العليا من الغلاف الجوي.
- الاتصالات: توفير خدمات الإنترنت للمناطق النائية عبر الطائرات بدون طيار.
- السياحة البيئية: تقديم تجارب سياحية فريدة تعتمد على الطيران بالطاقة الشمسية.
الخاتمة
تُظهر مشاريع الطائرات الشمسية الإمكانيات الهائلة للطاقة المتجددة في تغيير مستقبل النقل الجوي. بالاستمرار في الابتكار وتجاوز التحديات التقنية، قد نكون على أعتاب عصر جديد من الطيران المستدام الذي يعتمد على الشمس كمصدر رئيسي للطاقة.