الإستدامةالهيدروجين وتخزين الطاقة

هل يمكن أن تُحدث سلسلة القيمة الدائرية للبطاريات تحولاً في مستقبل الطاقة المستدامة؟

يمثّل الاقتصاد الدائري نموذجاً اقتصادياً حديثاً يهدف إلى تقليل الفاقد وتعظيم استخدام الموارد، خلافاً للنموذج الخطي التقليدي القائم على “الاستخراج، التصنيع، ثم التخلص”. في هذا النموذج، لا يُنظر إلى البطاريات المستهلكة كفضلات يجب التخلص منها، بل كموارد يمكن إعادة استخدامها، إصلاحها، أو تدويرها. ويشمل الاقتصاد الدائري للبطاريات أربعة محاور رئيسية: التقليل، وإعادة الاستخدام، وإعادة التدوير، والتصنيع المسؤول، ما يسهم في خلق صناعات جديدة، وتوفير فرص عمل، وتقليل الانبعاثات، وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية.

البطاريات كركيزة لتحقيق أهداف المناخ

بحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن تبني نهج الاقتصاد الدائري في سلسلة قيمة البطاريات يمثل إحدى الأدوات الحاسمة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس المناخية في قطاعات النقل والطاقة. من المتوقع أن يُسهم الاقتصاد الدائري في خفض ما يصل إلى 30% من الانبعاثات الكربونية المطلوبة في هذه القطاعات. وتشير التقديرات إلى أن الطلب العالمي على الليثيوم والنيكل، وهما من المواد الأساسية في تصنيع البطاريات، سيزداد بنحو 6 إلى 24 ضعفاً بحلول عام 2030، ما يعزز الحاجة إلى حلول أكثر استدامة لسلسلة التوريد.

مكونات سلسلة القيمة الدائرية للبطاريات

تشمل أهم عناصر الاقتصاد الدائري للبطاريات:

  • الشحن الذكي (V1G) : تنظيم أوقات الشحن لتقليل الضغط على الشبكات الكهربائية.
  • الإصلاح وإعادة التأهيل:  استبدال الوحدات التالفة أو المتدهورة في البطاريات التالفة من السيارات الكهربائية أو أنظمة تخزين الطاقة  (ESS)، مما يطيل من عمر البطارية ويقلل الحاجة إلى إنتاج بطاريات جديدة.
  • إعادة الاستخدام (الحياة الثانية):  توجيه البطاريات التي لم تعد تصلح للاستخدام في المركبات إلى تطبيقات أقل تطلباً للطاقة.
  • إعادة التدوير:  استخراج المواد القيمة مثل الليثيوم، والنيكل، والكوبالت من البطاريات عند نهاية عمرها.
Circular value chain illustrating the coupling of transport and power sectors. V2G refers to vehicle to grid. Figure from reference – https://www.mdpi.com/2673-4079/2/1/11

التحديات أمام التوسيع الفعلي للنموذج الدائري

رغم إمكانيات الإصلاح وإعادة الاستخدام، من المتوقع أن يقتصر استخدامها على حوالي 5% فقط من البطاريات التالفة بحلول نهاية عمرها التشغيلي، بسبب نمط تدهور موحّد للبطاريات يجعل من غير المجدي اقتصادياً استبدال وحدات محددة فقط. كما أن افتقار شركات تصنيع السيارات إلى الحوافز لتصميم بطاريات يسهل تفكيكها أو إصلاحها يزيد من تعقيد عمليات التدوير وإعادة الاستخدام.

الجدوى الاقتصادية وتقليل الانبعاثات

تشير تحليلات المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن تحسين الأداء في مختلف مراحل سلسلة القيمة الدائرية يمكن أن يقلل انبعاثات غازات الدفيئة من 182 مليون طن إلى حوالي 100 مليون طن سنوياً، وبـ”تكلفة سالبة”؛ أي أن الاقتصاد الدائري لا يحقق فقط أهدافاً بيئية، بل يوفّر حلولاً ذات كفاءة مالية أعلى مقارنة بالبدائل التقليدية. على سبيل المثال، تقنيات “من السيارة إلى الشبكة” (V2G) قد تخفض من تكاليف بنية الشحن التحتية بنسبة تصل إلى 90%، ويمكن أن تغطي ما يصل إلى 65% من الطلب العالمي على تخزين الطاقة.

خلاصة

يمثل الاقتصاد الدائري فرصة استراتيجية لإعادة تصميم مستقبل البطاريات، ليس فقط من منظور بيئي، بل أيضاً كوسيلة لتعزيز الاستقلالية المادية وتقليل التكاليف وتعظيم القيمة الاقتصادية. ولتحقيق ذلك، هناك حاجة إلى دعم تشريعي وتشجيع صناعي لتطوير التصميم، وتعزيز التقنيات، وتحفيز السوق على تبني نماذج أكثر استدامة.

للمزيد من المعلومات يمكنكم الاطلاع على المصدر من هنا

م. نادية مهدي

مهندسة كهرباء. خبيرة معتمدة من مؤسسة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في إدارة أنظمة الطاقة، حاصلة على درجة الماجستير في هندسة الكهرباء، أسعى لنشر الوعي وإثراء المحتوى المتخصص في مجال كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى حصري