تغير المناخ يدمر سلة غذاء المغرب وسط مخاطر سياسية
في مثل هذا الوقت من كل عام، يستعد مزارع القمح المغربي عبد الرحيم حافظ عادة لمحصوله الربيعي، لكن حقوله هذه العام كانت عارية على نحو غير عادي.
على الطريق المؤدي إلى قريته الصغيرة في إقليم برشيد، سلة الخبز التاريخية للمغرب التي تقع على بعد حوالي 40 كيلومترا (حوالي 25 ميلا) جنوب شرق الدار البيضاء، تعاني حقول شاسعة بينما تكافح البلاد للسنة السادسة على التوالي من الجفاف.
وقال حافظ (54 عاما) وهو يلقي نظرة على حقله الذي تبلغ مساحته 20 هكتارا (حوالي 50 فدانا) حيث لم يزرع شيئا تقريبا “لقد ضاع المحصول بالفعل”.
بينما قال الرجل البالغ من العمر 50 عاما إن أرضه البالغة مساحتها 52 هكتارا (حوالي 128 فدانا) والتي أنتجت القمح اللين والشعير في السنوات الماضية “لم تعد صالحة لأي شيء، لم نمر بمثل هذا العام الصعب من قبل.”
أكثر من 88 بالمئة من الأراضي الزراعية الشاسعة في برشيد غير مروية، ويعتمد المزارعون بدلا من ذلك على الأمطار، وفقا لوزارة الفلاحة المغربية.
لكن وزير المياه المغربي نزار بركة قال لوكالة فرانس برس إن المغرب لم يشهد حتى الآن هذا العام سوى حوالي نصف هطول الأمطار الذي شهده خلال نفس الفترة من العام الماضي.
وأضاف أن ذلك حدث بالتوازي مع ارتفاع درجات الحرارة في المغرب بمتوسط 1.8 درجة مئوية (3.2 درجة فهرنهايت) مقارنة بالفترة ما بين 1981 و2010.
وفي الأسابيع الأخيرة، قيدت السلطات المغربية فتح الحمامات ومحطات غسيل السيارات في عدة مدن وحظرت سقي ملاعب الغولف أو الحدائق بمياه الشرب، حيث أن سعة سدود البلاد لا تتجاوز 23 بالمئة، مقارنة بحوالي 32 بالمئة العام الماضي.
تأثير خطير على الاقتصاد
ويقول عبد الرحيم حندوف، وهو مهندس زراعي، إن سنوات الجفاف المتعاقبة “تضر” بهذا الموسم الزراعي.
وخوفا من آثار ندرة المياه لفترة طويلة، قام المزارعون بالفعل بتقليص حجم المناطق التي يزرعون فيها الحبوب، بحسب الخبير.
وأضاف أنهم زرعوا في تشرين الثاني/نوفمبر 2.3 مليون هكتار مقارنة بما يتراوح بين أربعة وخمسة ملايين هكتار في المتوسط في السنوات السابقة.
وأضاف حندوف أن الوضع سيكون له “تأثير خطير على اقتصاد” البلاد حيث يعمل ثلث السكان في الزراعة.
ويمثل هذا القطاع أيضا 14 بالمئة من صادرات المغرب، حيث تعتبر المنتجات المصدرة أكثر ربحية من تلك التي تباع في الأسواق المحلية.
وقال محافظ إنه يأمل تعويض الخسائر في المواسم السابقة من خلال تكييف تقنيات البذر الجديدة، مثل زراعة البذور دون حرث الحقل أولاً، مما يسمح للتربة بالحفاظ على رطوبتها الطبيعية.
وأضاف: “لقد ضاع المحصول بالفعل، لكنني آمل أن تهطل الأمطار في فبراير/شباط ومارس/آذار على الأقل حتى يكون هناك ما يكفي لإطعام الماشية”.
بالنسبة لبعض المزارعين على نطاق واسع، فإن التوقعات ليست قاتمة، ولكن الري أصبح ضروريا.
ويقول حميد مشعل إنه يستطيع الاعتماد على الري لإنقاذ مساحته البالغة 140 هكتارا في شرق ولاية برشيد، حيث يزرع القمح والجزر والبطاطس.
وأضاف المزارع “مع الجفاف، نضطر إلى الري بنسبة 85 في المائة، بينما كان الري في السابق تكميلياً فقط”.
ومثل 500 مزارع في المنطقة، تم تزويده بتخصيص ثابت قدره 5000 طن من المياه لكل هكتار “لإدارة أفضل” للموارد المرغوبة.
مسألة سياسية
وقال محمد الطاهر السريري، الخبير الزراعي، إن النموذج الزراعي المغربي، الذي ركز على الصادرات خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، يواجه مرة أخرى تحديات في وقت تشهد فيه البلاد “تراجعا مطلقا في إمدادات المياه”.
وأضاف أنه مع ذلك تم التركيز على المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، مثل الجزر في برشيد.
وحذرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بالمثل من “تكثيف الري بشكل غير منظم” في برشيد خلال العقدين الماضيين.
وأشارت في تقرير صدر في نوفمبر/تشرين الثاني إلى أنه “بين عامي 2007 و2017، ارتفع إنتاج الجزر، على سبيل المثال، بنسبة 500 بالمائة تقريبا”، مشيرة إلى أن طبقة المياه الجوفية في برشيد كانت “واحدة من أكثر الطبقات استنزافا في المغرب”.
وتقدر احتياجات الدولة الواقعة في شمال إفريقيا بأكثر من 16 مليار متر مكعب من المياه، منها 87 بالمئة للقطاع الزراعي، لكنها لم تحصل إلا على خمسة مليارات متر مكعب خلال السنوات الخمس الماضية، بحسب وزارة المياه.
وأضاف حندوف: “يجب إعادة النظر في السياسة الزراعية من الأعلى إلى الأسفل، واليوم لدي انطباع بأن الحكومة تنظر في اتجاه واحد بينما الواقع في الاتجاه المعاكس”.